السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحباً بكم إخواني وأخواتي في درس جديد بعنوان ( الطريق إلى النظرية الذرية الحديثة ) .
في هذا الدرس بإذن الله سنحاول تتبع تاريخ تطور مفهوم الذرة منذ العصور القديمة حتى العصر الحديث .
ونظراً لاحتواء الدرس على تفاصيل موسعة نوعاً ما والكثير من الصور الجديدة والمفيدة فسيكون الدرس على عدة أجزاء .
أولاً : الذرة منذ العصور القديمة إلى ما قبل طمسون .
منذ القدم حاول الانسان التعرف على ماهية المادة ، وبما أن كل العلوم كانت بيد الفلاسفة فقد كان لهم السبق في البحث والتفكير عن ماهيتها فهم كما يقال يعرفون كل شيء ، وكانت كل محاولاتهم بالطبع مجرد تفكير عقلي بعيداً عن أي تجارب عملية ، فمنهم من قال بأن المصدر الأولي للمادة هو الماء ومنهم من ذكر بأن المادة تتألف من أربعة عناصر ماء وهواء وتراب ونار ، ومنهم من ذكر بأن المادة تتألف من دقائق صغيرة تدعى الذرات ( atoms ) وخلال هذه الفترة من العصور الإنسانية المبكرة ظهرت العديد من الأفكار والتصورات الغريبة التي بنيت على هذه المفاهيم مثل فكرة حجر الفلاسفة ونظرية الفلوجستون والقوة الحيوية وأكسير الحياة . وكانت كل تلك الرؤى والتصورات التي سادت في تلك الحقب منبثقة من نظريتين مشهورتين في تلك الفترة وهما النظرية المتصلة والنظرية المنفصلة .
النظرية المتصلة تنص على أن التقسيم المطرد ( المتتالي ) للمادة سيتصل ويستمر ولن ينتهي بمعنى أننا لن نصل في النهاية إلى أجزاء دقيقة غير قابلة للانقسام بينما النظرية المنفصلة تنص على أن التجزئة المتتالية للمادة ستنفصل في النهاية بالحصول على دقائق غير قابلة للانقسام .
استمر هذا التخلف الكيميائي والذي كان نتاجاً طبيعياً لاستخدام التفكير العقلي المجرد في البحث إلى القرن السادس عشر حتى جاء دالتون ووضع أول نظرية علمية عن الذرة في عام 1808 للميلاد واستطاع من خلالها تفسير بعض القوانين المعروفة في ذلك الوقت مثل قانون حفظ الكتلة وقانون النسب الثابتة وغيرهما .
والنظرية تتألف باختصار من ثلاثة فروض وهي :
1- تتألف المادة من دقائق صغيرة غير قابلة للانقسام تدعى الذرات .
2-الذرة أصغر جزء في العنصر وتختلف العناصر باختلاف ذراتها وأن ذرات العنصر الواحد متشابهة في كل الخواص .
3- عندما تتحد العناصر لتكوين المركبات فإنها تتحد بأعداد صحيحة من الذرات .
وهنا وضع دالتون تصوره للذرة وقال بأن الذرة عبارة عن جسيم كروي مصمت ( غير فارغ ) ذوكثافة عالية يشبه كرة البلياردو .
والحقيقة أن هذه القفزة الكبيرة في نوعية التفكير( من تفكير عقلي مجرد إلى تفكير نابع عن مشاهدة قوانين طبيعية ومحاولة تفسيرها ) والتي انتهجها دالتون في بحثه شجعت العلماء في ذلك الوقت على السير قدماً في البحث والتنقيب عن ماهية المادة ومحاولة الكشف عن المزيد حول تركيب الذرة .
تجارب التحليل الكهربي ودورها في تطور مفهوم تركيب المادة
من خلال تجارب فارادي في التحليل الكهربي تم الإشارة ولأول مرة إلى وجود علاقة بين الماده والكهرباء واحتواء ذرات العناصر على جسيمات سالبة الشحنة .
تجارب التفريغ الكهربائي ودورها في تطور مفهوم تركيب المادة
كانت لتجارب التفريغ الكهربي دور انقلابي في تاريخ الذرة عندما أثبتت وجود جسيمات سالبة الشحنة في ذرات العناصر عرفت بالالكترونات ، وتتألف أنبوبة التفريغ الكهربي من أنبوبة زجاجية تحتوي على قطبين معدنين في طرفيها ويتصل القطبان من الطرف الأخر بمصدر كهربي عالي الجهد ، وعندما تكون الأنبوبة مملوءة بالهواء عند الضغط الجوي العادي فلا يلاحظ أي شيء ولكن إذا فرغت الأنبوبة من الهواء وعرضت إلى فرق جهد كهربي مرتفع ( 10000 فولت ) وتم طلاء الأنبوب ببعض المواد الكيميائية مثل كبريتيد الخارصين يلاحظ إشعاع ضوء من الأنبوب .
وبالبحث عن مصدر هذا الضوء ومحاولة التعرف على ماهيته وجد أن المصدر هو القطب السالب ( المهبط ) في الأنبوب لذلك سميت هذه الأشعة بأشعة المهبط وهي في الحقيقة ليست أشعة بل عبارة عن جسيمات ذات كتلة تحمل شحنة سالبة ، وقد تم التعرف على كونها جسيمات ذات كتلة بوضع عجلة صغيرة في مسار الأشعة فلوحظ بأنها تتحرك وبتعريض هذه الأشعة لمجال مغناطيسي لوحظ انحرافها بطريقة تشير إلى أنها تحمل شحنة سالبة ، واتضح أن هذه الجسيمات متشابهة مهما كانت المادة المصنوع منها القطب السالب ومهما كان نوع الغاز في الأنبوب .
عرض شكويف لأنبوبة التفريغ الكهربي ( اضغط هنا )
وقد أدت التجارب التي أجراها أولاً أويجن جولد شتاين في 1886 م إلى اقتراح أن الجسيمات الموجبة تتكون أيضاً في أنابيب التفريغ حيث يوجد القطب الموجب في أحد طرفي الأنبوب والقطب السالب الذي يتكون من قطعة من المعدن المحفور بها ثقب في الطرف الأخر ويتم وضع حاجز كاشف خلف القطب السالب وعند التشغيل يلاحظ خيط مضيء يمكن أن ينحرف بواسطة مغناطيس في اتجاه مضاد للانحراف الذي يحدث لأشعة المهبط في أنبوب التفريغ الكهربي والاستنتاج هو أن هذا الخط المضيء ما هو إلا حزمة من الجسيمات الموجبة ، ويمكن تفسير هذه الظاهرة بأن الالكترونات المنبعثة من المهبط ( أشعة المهبط ) تصطدم بذرات الغاز المتعادلة الموجود في الأنبوب الزجاجي فتؤدي إلى طرد بعض الالكترونات الموجودة بذرات الغاز وتؤينها لتكون أيونات موجبة ومن ثم ستنجذب هذه الأيونات الموجبة بطبيعة الحال نحو القطب السالب للتعادل بعض الذرات عليه بينما تنفذ بعض هذه الجسيمات من خلال الثقب الموجود بالمهبط وترتطم بالانبوب مكونةً حزمة من الجسيمات الموجبة ، وقد وجد أن هذه الجسيمات تكون أثقل من الالكترونات وتعتمد كتلتها على نوع الغاز الموجود في الأنبوب ، وبهذا كانت هذه التجربة أول تجربة تشير إلى وجود جسيمات تحمل شحنة موجبة في ذرات العناصر .
في عام 1895 للميلاد اكتشف ( ويليم رنتجن ) الأشعة السينية (X rays )عندما لاحظ صدور اشعاعات عالية الاختراق قد نتجت من اصطدم أشعة المهبط بالفلزات ، كما اكتشف بيكريل أن اشعاعاً مشابهاً تقريباً قد انبعث تلقائياً بواسطة خام اليورانيوم في عملية تعرف حالياً بالتحلل عن طريق النشاط الاشعاعي .
وبدراسة طبيعة هذه الاشعاعات الناتجة من العناصر المشعة كاليورانيوم مثلاً تم التعرف على مكوناتها وهي :
1- اشعة الفا وهي الحقيقة جسيمات وليست أشعة ( أيونات عنصر الهيليوم الموجبة ) .
2- جسيمات بيتا وهي عبارة عن الكترونات .
3- جسيمات متعادلة أشعة جاما وهي عبارة عن أشعة شبيه بالأشعة السينية .
وهناك مصادر مشعة أخرى تعطي نوعاً رابعاً من الاشعاع يشتمل على بوزيترونات والبوزيترونات جسيمات تشبه الالكترونات الا أنها تحمل شحنة موجبة .
والجدير بالذكر هنا أن عملية الاشعاع يصحبها اختفاء تدريجي للعنصر الأساسي وظهور عنصر جديد وتعرف هذه العملية بالتحول فمثلاً ذرات اليورانيوم تتحول إلى الثوريوم ، والصورة التالية توضح تحولاً مصطنعاً لليورانيوم إلى عنصري الزينون والسترونشيوم .